شرح مستويات الفهم القرائي
القراءة هي عملية مركبة تتطلب من القارئ استخدام العديد من المهارات المعرفية، مثل التعرف على الكلمات، وفهم المعنى، والربط بين الأفكار. ويشير الفهم القرائي إلى القدرة على تحديد وفهم المعنى الصريح والضمني للنص. ويمكن تصنيف الفهم القرائي إلى مستويات مختلفة، بناءً على العمليات المعرفية التي يقوم بها القارئ أثناء القراءة. وقد تم اقتراح العديد من النماذج لمستويات الفهم القرائي، ومن أشهرها نموذج هاريس وسميث (1980) الذي يحدد أربعة مستويات للفهم القرائي.
ستستكشف هذه المقالة مستويات الفهم القرائي، وستلقي نظرة على سمات ومراحل هذه المستويات، وكيفية تطبيقها في سياقات مختلفة. وستستعرض أمثلة عملية على هذه المستويات، كما ستلقي الضوء على بعض الأخطاء القرائية التي رسختها المدرسة وطرق معالجتها.
مستويات الفهم القرائي
حدد الباحثان هاريس وسميث (1980) أربعة مستويات للفهم القرائي، بناءً على العمليات المعرفية التي يقوم بها القارئ أثناء القراءة. وقد تم استخدام هذه المستويات على نطاق واسع في مجال تعليم القراءة، حيث يتم استخدامها لتقييم الفهم القرائي للطلاب وتطوير برامج تعليم القراءة.
وهذه مستويات الفهم القرائي الأربعة:
- المستوى المباشر أو الحرفي أو السطحي (literal comprehension): ويتضمن فهم القارئ للمعنى الصريح للنص، مثل تحديد الأسماء، والصفات، والأفعال، والعلاقات بين الأفكار. ويتطلب هذا المستوى من القارئ أن يكون قادرًا على تحديد المعلومات المحددة التي يقدمها النص، مثل أسماء الأماكن والشخصيات والأحداث؛
- المستوى الاستنتاجي أو التحليلي أو التفسيري أو التفاعلي (interpretive comprehension): ويتضمن فهم القارئ للمعنى الضمني للنص، مثل فهم الأفكار الرئيسية، والعلاقات بين الأجزاء، والأفكار الأساسية للنص. ويتطلب هذا المستوى من القارئ أن يكون قادرًا على فهم العلاقات بين الأفكار، وتحديد الأفكار الرئيسية للنص، وربط النص بتجاربه الخاصة؛
- المستوى النقدي أو التقييمي أو التقديري (critical comprehension): ويتضمن قدرة القارئ على الحكم على النص، وتقييمه، ومناقشته. ويتطلب هذا المستوى من القارئ أن يكون قادرًا على تحليل محتوى النص، وتقييم الحجج المقدمة فيه، والتمييز بين الحقيقة والخيال؛
- المستوى الإبداعي (creative comprehension): ويتضمن قدرة القارئ على استخدام النص لإنشاء أفكار جديدة أو أعمال إبداعية. ويتطلب هذا المستوى من القارئ أن يكون قادرًا على التفكير خارج الصندوق، واستخدام النص كمصدر للإلهام.
ويمكن تصنيف المهام التي تقيس الفهم القرائي وفقا لهذه المستويات. فعلى سبيل المثال، تتطلب المهام التي تقتضي من القارئ تحديد الأسماء، أو الصفات، أو الأفعال أو العلاقات بين الأفكار، فهما مباشرا للنص. كما تحتاج المهام التي تتطلب من القارئ فهم الأفكار الرئيسية أو العلاقات بين الأجزاء أو الأفكار الأساسية للنص، فهما تفسيريا للنص. وتتطلب المهام التي تقتضي من القارئ الحكم على النص أو تقييمه أو مناقشته، فهما نقديا للنص. بينما تحتاج المهام التي تتطلب من القارئ استخدام النص لإنشاء أفكار جديدة أو أعمال إبداعية، فهمًا إبداعيا للنص.
أمثلة على مستويات الفهم القرائي
وكمثال على مستويات الفهم القرائي المحددة أعلاه، نقترح الأمثلة التوضيحية التالية؛
- أمثلة على أسئلة المستوى المباشر:
- ما اسم الشخصية الرئيسية في القصة؟
- ما هو المكان الذي تدور فيه أحداث القصة؟
- ما هي الأحداث الرئيسية التي وقعت في القصة؟
- أمثلة على أسئلة المستوى التفسيري:
- ما هي الفكرة الرئيسية للقصة؟
- ما هي العلاقة بين الأحداث الرئيسية في القصة؟
- ما هي الرسالة التي يريد الكاتب إيصالها من خلال هذه القصة؟
- أمثلة على أسئلة المستوى النقدي:
- ما مدى صحة المعلومات الواردة في النص؟
- ما هي الحجج التي يقدمها الكاتب لدعم وجهة نظره؟
- ما هي الأفكار أو المواقف التي لا تتفق معها في النص؟
- أمثلة على أسئلة المستوى الإبداعي:
- ما هي الأفكار الجديدة التي يمكن استخلاصها من هذا النص؟
- كيف يمكن استخدام هذا النص لإنشاء عمل إبداعي؟
سمات مستويات الفهم القرائي
يمكن تلخيص سمات مستويات الفهم القرائي الأربعة في الجدول التالي:
المستوى | السمات |
المستوى المباشر | فهم المعنى الصريح للنص |
المستوى التفسيري | فهم المعنى الضمني للنص |
المستوى النقدي | تقييم النص وتحليله |
المستوى الإبداعي | استخدام النص لإنشاء أفكار جديدة أو أعمال |
مستويات الفهم القرائي لهاري سميث
قام الباحث هاري سميث (1975) باقتراح نموذج للفهم القرائي يشبه إلى حد كبير نموذج هاريس وسميث. ويتضمن نموذج سميث ثلاثة مستويات للفهم القرائي:
- الفهم المباشر (literal comprehension)
- الفهم التوليدي (generative comprehension)
- الفهم التأملي (reflective comprehension)
ويختلف هذا النموذج عن نموذج هاريس وسميث في أنه يركز على العمليات المعرفية التي يقوم بها القارئ أثناء القراءة، وليس على المحتوى الصريح أو الضمني للنص.
مستويات الفهم القرائي وفق الاتجاه الرأسي؛
تشير مستويات الفهم القرائي وفق الاتجاه الرأسي إلى المستويات التي يمر بها القارئ أثناء القراءة، من الفهم السطحي إلى الفهم العميق. ويتضمن هذا الاتجاه أربعة مستويات:
- المستوى الأول: الفهم الحرفي
يركز هذا المستوى على فهم المعنى الصريح للنص، مثل تحديد الأسماء والصفات والأفعال والعلاقات بين الأفكار. ويتضمن ذلك فهم المعلومات المحددة التي يقدمها النص، مثل أسماء الأماكن والشخصيات والأحداث؛
- المستوى الثاني: الفهم التفسيري
يركز هذا المستوى على فهم المعنى الضمني للنص، مثل فهم الأفكار الرئيسية والعلاقات بين الأجزاء والأفكار الأساسية للنص. ويتضمن ذلك فهم العلاقات بين الأفكار، وتحديد الأفكار الرئيسية للنص، وربط النص بتجاربه الخاصة؛
- المستوى الثالث: الفهم النقدي
يركز هذا المستوى على قدرة القارئ على الحكم على النص، وتقييمه، ومناقشته. ويتضمن ذلك تحليل محتوى النص، وتقييم الحجج المقدمة فيه، والتمييز بين الحقيقة والخيال؛
- المستوى الرابع: الفهم الإبداعي
يركز هذا المستوى على قدرة القارئ على استخدام النص لإنشاء أفكار جديدة أو أعمال إبداعية. ويتضمن ذلك التفكير خارج الصندوق، واستخدام النص كمصدر للإلهام.
الانتقال بين المستويات
ينتقل القارئ بين هذه المستويات بشكل متدرج، حيث يبدأ بفهم المعنى الصريح للنص، ثم ينتقل إلى فهم المعنى الضمني، ثم إلى فهم النص بشكل نقدي، وأخيراً إلى فهم النص بشكل إبداعي.
مستويات الفهم القرائي للمرحلة الابتدائية
في المرحلة الابتدائية، يركز تدريس الفهم القرائي على تنمية المهارات الأساسية للفهم المباشر والاستنتاجي. ويتضمن ذلك تعليم الطلاب كيفية تحديد الأفكار الرئيسية للنص، وفهم العلاقات بين الأفكار، والاستجابة بأسئلة مباشرة وغير مباشرة حول النص. كما تعتمد مستويات الفهم القرائي في المرحلة الابتدائية على العديد من العوامل، بما في ذلك العمر، والتطور اللغوي، والتدريب، والتحفيز. إلا أنه يمكن تقسيم هذه المستويات إلى عدة مراحل عامة تشمل:
- المرحلة الأولى: تعلم القراءة (الصفوف الأولية)
- الطلاب في هذه المرحلة يتعلمون الأصوات والحروف الأساسية؛
- يتم تعريفهم بالأشكال الأساسية للحروف وكيفية تكوينها؛
- يتعلمون القواعد البسيطة للنطق والكلمات الشائعة.
- المرحلة الثانية: تطوير القراءة (الصفوف الأولى والثانية)
- يزيد التركيز على توسيع المفردات وتطوير المفهوم اللغوي؛
- يتعلمون كيفية تكوين الجمل البسيطة؛
- يتدربون على قراءة النصوص القصيرة وفهمها.
- المرحلة الثالثة: تحسين القراءة (الصفوف الثالثة والرابعة)
- يتقدم الطلاب في تحسين قدراتهم على قراءة النصوص المعقدة؛
- يتعلمون استخدام السياق لتوسيع فهمهم للكلمات؛
- يزداد التركيز على فهم الفكرة الرئيسية للنص.
- المرحلة الرابعة: تحليل النصوص (الصفوف الخامسة والسادسة)
- يتقدم الطلاب في قدرتهم على تحليل النصوص وفهم الأفكار الرئيسية والتفاصيل؛
- يتعلمون كيفية التفكير نقدياً حيال النصوص؛
- يزداد التركيز على قراءة النصوص غير الروائية مثل النصوص العلمية والتاريخية.
ومن المهم أن يتم تقديم تحديات مناسبة لكل فصل دراسي، وأن يتم توفير فرص لتحسين مهارات القراءة والفهم اللغوي في كل مستوى. يتطلب تحقيق تقدم في القراءة دعمًا مناسبًا من المدرسين والوالدين، بالإضافة إلى استخدام موارد تعليمية فعّالة.
أخطاء قرائية رسختها المدرسة
تلعب المدرسة دورًا مهمًا في تعليم القراءة، حيث تقوم بتزويد الطلاب بالمهارات اللازمة لفهم النص بشكل صحيح. ومع ذلك، هناك بعض الأخطاء القرائية التي قد ترسخها المدرسة، مما يؤثر على قدرة الطلاب على فهم النص بشكل سليم.
من أبرز هذه الأخطاء:
التركيز على الفهم الحرفي دون الفهم التفسيري أو النقدي أو الإبداعي
تركز المدارس غالبًا على تعليم الطلاب كيفية فهم المعنى الصريح للنص، دون التركيز على فهم المعنى الضمني أو تقييم النص أو استخدامه لإنشاء أفكار جديدة. وهذا يؤدي إلى عدم قدرة الطلاب على فهم النص بشكل كامل ودقيق.
استخدام طرق تدريس غير فعالة
هناك العديد من طرق التدريس غير الفعالة التي يمكن أن تؤدي إلى ترسيخ الأخطاء القرائية لدى الطلاب. ومن أبرز هذه الطرق:
- الاعتماد على التلقين والحفظ دون فهم؛
- عدم إعطاء الطلاب الفرصة للممارسة والتطبيق؛
- عدم إثارة التفكير النقدي لدى الطلاب.
عدم الاهتمام بمهارات القراءة الإبداعية
تركز المدارس غالبًا على تعليم الطلاب القراءة من أجل الفهم، دون الاهتمام بمهارات القراءة الإبداعية، مثل استخدام النص لإنشاء أفكار جديدة أو أعمال إبداعية. وهذا يؤدي إلى عدم قدرة الطلاب على استخدام القراءة لتنمية مهارات التفكير والابتكار.
خطورة الأخطاء القرائية
تؤثر الأخطاء القرائية على قدرة الطلاب على فهم النص بشكل سليم، مما قد يؤدي إلى:
- صعوبات في التعلم؛
- ضعف التحصيل الدراسي؛
- مشاكل في التواصل؛
- عدم القدرة على تكوين أفكار جديدة.
طرق معالجة الأخطاء القرائية
هناك العديد من الطرق التي يمكن استخدامها لمعالجة الأخطاء القرائية، ومن أبرزها:
- التأكيد على أهمية الفهم التفسيري والنقدي والإبداعي؛
- استخدام طرق تدريس فعالة تركز على الممارسة والتطبيق والتفكير النقدي؛
- الاهتمام بمهارات القراءة الإبداعية.
وفيما يلي بعض الأمثلة على الطرق التي يمكن استخدامها لمعالجة الأخطاء القرائية:
- استخدام الأنشطة التي تتطلب من الطلاب فهم المعنى الضمني للنص، مثل تحليل الشخصيات والأحداث والأفكار الرئيسية؛
- استخدام الأنشطة التي تتطلب من الطلاب تقييم النص، مثل تقييم صحة المعلومات المقدمة فيه أو تقييم الحجج المقدمة فيه؛
- استخدام الأنشطة التي تتطلب من الطلاب استخدام النص لإنشاء أفكار جديدة، مثل كتابة قصة أو مقال أو عمل فني مستوحى من النص.
من المهم أن تدرك المدارس خطورة الأخطاء القرائية وأن تحرص على استخدام طرق تدريس فعالة لمعالجة هذه الأخطاء.
أفعال القراءة وأنواع القراءة
أفعال القراءة
تتطلب القراءة مجموعة من المهارات المعرفية واللغوية، والتي يمكن تلخيصها في الأفعال التالية:
- التعرف على الكلمات: القدرة على فك رموز الحروف والكلمات وفهم معناها؛
- فهم المعنى: القدرة على فهم العلاقات بين الكلمات والجمل والفقرات؛
- التفكير النقدي: القدرة على تحليل النص وتقييمه؛
- الإبداع: القدرة على استخدام النص لإنشاء أفكار جديدة أو أعمال إبداعية.
أنواع القراءة
تصنف القراءة إلى عدة أنواع، بناءً على الغرض منها أو على الطريقة التي تتم بها. ومن أبرز أنواع القراءة:
- القراءة الصامتة: وهي القراءة التي تتم دون نطق الكلمات، وتستخدم عادةً للدراسة أو الاستمتاع؛
- القراءة الجهرية: وهي القراءة التي تتم بنطق الكلمات، وتستخدم عادةً للتواصل أو التعليم؛
- قراءة الاستماع: وهي القراءة التي تتم بسماع النص المقروء من شخص آخر، وتستخدم عادةً للتعلم أو الترفيه؛
- القراءة الاستكشافية: وهي القراءة التي تتم بهدف التعرف على موضوع جديد أو الحصول على معلومات معينة؛
- قراءة الفهم: وهي القراءة التي تتم بهدف فهم المعنى الصريح والضمني للنص؛
- القراءة التحليلية: وهي القراءة التي تتم بهدف تحليل النص وفهم العلاقات بين الأفكار؛
- القراءة النقدية: وهي القراءة التي تتم بهدف تقييم النص وتحديد نقاط قوته وضعفه؛
- القراءة الإبداعية: وهي القراءة التي تتم بهدف استخدام النص لإنشاء أفكار جديدة أو أعمال إبداعية.
علاقة أفعال القراءة بأنواع القراءة
ترتبط أفعال القراءة بأنواع القراءة ارتباطًا وثيقًا، فكل نوع من أنواع القراءة يتطلب مجموعة من الأفعال المحددة. على سبيل المثال، تتطلب القراءة الصامتة أفعالًا مثل التعرف على الكلمات وفهم المعنى والتفكير النقدي. وتتطلب القراءة الجهرية أفعالًا مثل التعرف على الكلمات ونطقها بوضوح وفهم المعنى.
خاتمة
تلعب القراءة دورا مهما في حياة الإنسان، فهي الأساس لتعلم العلوم والمعرفة والثقافة. ولذلك، فمن المهم تنمية مهارات القراءة لدى الطلاب منذ الصغر، وذلك من خلال توفير الفرص الكافية لهم لممارسة القراءة وتطبيق مهاراتها. كما تلعب مستويات الفهم القرائي دورا مهما في عملية القراءة، حيث تساعد القارئ على فهم النص بشكل كامل ودقيق. ولذلك، فمن المهم أن يطور القارئ مهاراته في جميع مستويات الفهم القرائي.
وهناك العديد من الأساليب التي يمكن استخدامها لتنمية مهارات الفهم القرائي، ومن أهمها:
- القراءة المتكررة: تساعد القراءة المتكررة للقارئ على فهم النص بشكل أفضل، حيث تسمح له بتكوين صورة ذهنية واضحة للنص؛
- المناقشة: تساعد المناقشة القارئ على فهم النص بشكل أعمق، حيث يسمح له بتبادل الأفكار مع الآخرين حول النص؛
- الكتابة: تساعد الكتابة القارئ على فهم النص بشكل أفضل، حيث تسمح له بالتعبير عن أفكاره حول النص بطريقته الخاصة؛
- التعلم النشط: يساعد التعلم النشط القارئ على فهم النص بشكل أفضل، حيث يتطلب منه المشاركة النشطة في عملية التعلم.
المراجع
- جيمس هاريس ومارلين سميث؛ “الفهم القرائي: مقدمة للنظرية والممارسة”؛ (1980)؛
- منى عبد اللطيف؛ “القراءة والكتابة في الطفولة والمدرسة”؛ (2010)؛
- إيمان إسماعيل؛ “مهارات القراءة: تنمية وتطوير”؛ (2013)؛
- محمد عبد الرحمن ومحمد. فريد؛ “مستويات الفهم القرائي: دراسة نظرية وتطبيقية”؛ (2016).