نواتج التعلم : أي دور لها في تحسين جودة التعليم؟
عرفت الاتجاهات الحديثة في مجال التعليم، تحولا ملحوظا من النهج التقليدي المتمركز حول المدرس، إلى نهج حديث يضع المتعلم في صلب العملية التعليمية التعلمية، حيث يتم التركيز على ما يتوقع من المتعلم أداؤه كنتيجة لتحصيله الدراسي. وتعتبر نواتج التعلم في التعليـم إحـدى هذه الاتجاهـات العالميـة الحديثـة المعنيـة بضبـط جـودة التعليـم، والتـي انتشـر اسـتخدامها منذ بداية العقـد الثاني من القرن الواحد والعشرين، فما هي نواتج التعلم؟ وما معنى مخرجات التعلم؟ وما الفرق بينهما؟ ما خصائص وأنواع وما أهميتها؟ ثم كيف السبيل إلى تحسينها؟
ما هي نواتج التعلم؟ Learning outcomes
يمكن تعريفها باختصار كما يلي : هي مجموع المعلومات والمعارف والقدرات التي يتمكن المتعلم من تحقيقها، ويكون قادرا على أدائها، كنتيجة لاكتسابه لحزمة محددة من الخبرات التعليمية، في نهاية دراسته لمقرر دراسي أو لمرحلة دراسية، وتؤدي إلى تغير (تحسن) في مواقفه واتجاهاته، وفي تحصيله الدراسي.
وبمعنى آخر، يمكننا القول: إن نواتج التعلم هي: “ما هو متوقع من المتعلم معرفته، وفهمه، والقدرة على أدائه، بعد الانتهاء من موقف تعليمي”.
ما معنى مخرجات التعلم؟ learning outputs
وضع الباحثون التربويون مجموعة من التعاريف لمفهوم مخرجات التعلم؛ فمصطلح مخرجات التعلم هو: “عبارة واضحة لما ينبغي أن يتعلمه المتعلم، ويقوم به عند إكماله للمقرر الدراسي”. إنه: “عبارات تصف بدقة ما يتوقع من المتعلم أن يمتلكه من معارف ومهارات وقيم خلال مروره بخبرة تعليمية معينة”.
بينما يعرفها نظام تحويل الرصيد الأوروبي والتراكم (ECTS)، وهو أداة من أدوات منطقة التعليم العالي الأوروبية (EHEA)، بالقول: “إن مخرجات التعلم هي عبارات توضح ما هو متوقع من الطالب معرفته وفهمه و/أو أن يكون قادرا على إظهاره بعد الانتهاء من عملية التعلم”. (ECTS-USERS- GUIDE,2015. P10)
ما الفرق بين نواتج التعلم ومخرجات التعلم؟
من خلال مقارنة التعريفات المختلفة المتداولة في حقل البحث العلمي التربوي، يلاحظ وجود عديد من نقط التلاقي بين المصطلحين، وهي في مجملها تلتقي حول امتلاك المتعلم للمعارف والمهارات والخبرات في نهاية برنامج دراسي. ورغم أن المفهومين يبدوان كمترادفين تماما، إلا أن هناك فرق واضح بينهما على مستوى الأهداف.
فنـواتج التعلـم تستخدم في مجـال ضمـان الجـودة وتحقيـق الشـفافية للمقارنـة بـين المؤهلات التعليمية لمختلـف المدارس والمؤسسات التعليمية، وتمثـل مرجعيـة لإعــداد معايـيـر ضبــط الجــودة علــى المســتويين المحلــي والعالـمـي.
بينمــا تســتخدم مخرجــات التعلــم لتصميــم المقــررات الدراسية والتحقــق مــن التناسق بــين محتويــات البرامـج الدراسية، وبيان مـدى التداخـل بـين محتويات المـواد الدراسـية أو محتوى المقرر عمومـا.
كمـا تسـاعد مخرجات التعلـم مهندسي المقـررات الدراسـية علـى تحديـد الأهـداف الرئيسـة لكل مـادة دراسية، والتحقـق مـن مـدى مناسـبة مفـردات المـادة، وتنظيـم العلاقـة المهمـة بـين التعلـم والتعليـم والتقويـم، وتسـاعد علـى تحسـين تصميـم خـبرات المتعلم.
في حين تسـهم نواتج التعلـم علـى المسـتوى المحلـي، في تحقيـق الشـفافية وإمكانية المقارنـة بـين محتـوى البرامـج البيداغوجية في المدارس، ممـا يسـهل مـن عمليـات الاعتـراف المتبادل بـين المدارس، وانتقـال المتعلمين مـن مؤسسة إلى أخـرى دون فقـدان عـدد كبيـر مـن السـاعات الـي درسـوها.
ما خصائص نواتج التعلم؟
من أهم ما يميز نواتج التعلم ارتكازها على المتعلم بدل الارتكاز على المعلم، وارتكازها على المنتج عوض الارتكاز على العملية. ومن أهم خصائصها: كونها محددة بدقة، قابلة للقياس، قابلة للتحقيق، واقعية، ووقتها محدد؛
- محددة Spesific: بحيث تكون واضحة ومحددة بدقة؛
- قابلة للقياس Measurable : بحيث يمكن قياسها بطرق التقييم المختلفة، مع قابليتها للتطوير؛
- قابلة للتحقيق Attainable : بحيث يمكن تحقيقها كمعارف ومهارات تنجز في نهاية برنامج أو مقرر أو وحدة دراسية؛
- واقعيةRealictic : وذات صلة وعلاقة بتوصيف البرنامج أو المقرر؛
- محددة الوقت Time limited : بحيث يمكن إنجازها في المدة الزمنية المحددة لها.
ما أنواع نواتج التعلم؟
من الصعب الحديث عن تصنيف نواتج التعلم إلى أنواع، لكن خلص الباحثون في الحقل التربوي، إلى تصنيفها إلى خمس مجالات بدل أنواع، هي:
ا- مجال المعرفة: وتتمثل في معرفة مفاهيم وأسس ونظريات محددة، أو حقائق معينة، أو مصطلحات علمية مختلفة؛
ب- مجال المهارات المعرفية: وتشمل القدرة على تطبيق النظريات و المفاهيم والمبادئ، وتطبيق مهارات التفكير النقدي، والحل الإبداعي للمشكلات؛
ت- مجال مهارات التعامل مع الآخرين وتحمل المسؤولية: وتشمل القدرة على تطوير ملكة التعلم الذاتي،
والعمل بشكل جماعي فعال، والتصرف بشكل أخلاقي والالتزام بالقيم الأخلاقية العالية على المستوى الشخصي والاجتماعي؛
ج- مجال مهارات التواصل والمهارات التقنية والعددية: وتشمل القدرة على التواصل الشفهي والكتابي بشكل فعال، واستخدام تقنيات الاتصالات والمعلومات، واستخدام الأساليب الحسابية والإحصائية الأساسية؛
د- مجال المهارات النفس- حركية: وتشمل مجموع المهارات الأدائية الراقية، التي تحتاج في تعلمها وتعميقها، وقتا وجهدا وتنظيما دقيقا بين عدد من أعضاء جسم الإنسان وحواسه وعضلاته، ويمكن تطبيقها في المواد الدراسية التي تشمل جانبا عمليا أو مخبريا.
ما أهمية نواتج التعلم؟
تمتد أهميتها على أربع مستويات، إذ تعتبر ذات أهمية بالنسبة لكل من المدرس والمتعلم والمؤسسة التعليمية والمجتمع على حد سواء.
بالنسبة للمدرس:
تتمثل أهميتها في مساعدته على:
- تنظيم أعماله وتخطيط مهامه بعيدا عن الارتجالية والعشوائية؛
- اختيار محتوى المقرر الدراسي بالتركيز على الأولويات المهمة، وبشكل متناسب مع احتياجات المتعلمين؛
- تحديد واعتماد الأنشطة التعليمية الرامية إلى تحقيق الأهداف التربوية المسطرة؛
- اعتماد استراتيجيات التعليم والتعلم الملائمة لتمكين المتعلم من اكتساب التعلمات المستهدفة؛
- اختيار واعتماد أساليب التقويم الموضوعية المناسبة للتأكد من مدى تحقق الأهداف؛
- تنمية الكفاءة المهنية بطريقة مستدامة، بناء على التغذية الراجعة المترتبة على التقييم المستمر لنواتج التعلم؛
- زيادة فرص الاتصال بزملائه بغية تقاسم التجارب المتميزة.
بالنسبة للمتعلم:
تتمثل أهميتها في مساعدته على:
- تحقيق تعلم أفضل وذو معنى؛
- · التعلم الذاتي وفق أهداف واضحة ومحددة باختياره للأنشطة والمهام وفقا لميوله واستعداداته، تحقيقا لتلك الأهداف؛
- زيادة فرص التعاون النشط بينه وبين مدرسيه؛
- تطوير الأداء وتحسين الخبرات من خلال التقويم الذاتي المستمر.
بالنسبة للمؤسسة التعليمية:
تتمثل أهميتها فيما يلي:
- ضمان جودة العملية التعليمية التعلمية، وضبط معاييرها؛
- توحيد جهود كل العاملين بالمؤسسة التعليمية وخصوصا من هيئة التدريس، بغية تحقيق الأهداف البيداغوجية المسطرة؛
- التأكد من تحقيق مشروع المؤسسة التعليمية ورؤيتها ورسالتها، بتحديد نقاط القوة وتدعيمها، وتحديد نقاط الضعف وعلاجها؛
- توفير قاعدة بيانات تمكن من المحاسبة التعليمية من أجل ضمان الجودة.
بالنسبة للمجتمع:
- بناء وتعزيز ثقة المجتمع في المؤسسات التعليمية عن طريق ضمان الجودة؛
- توفير فرص النجاح للأبناء، بما يضمن رفع مستوى عيش الأفراد والمجتمع؛
- تنمية قيم المواطنة وترسيخ الانتماء لدى أبناء المجتمع.
كيف نحسن نواتج التعلم؟
يعتبر تحسينها غاية كل منظومة تربوية تصبو إلى تجويد منتوجها التعليمي وفق الاستراتيجيات الحديثة للتعليم. كما ينبني تحقيق هذه الغاية على ثلاث آليات مهمة:
ا- تصميم خرائط للمناهج الدراسية:
إذ يتطلب تحسين وتجويد نواتج التعلم ضرورة تصميم خرائط المناهج الدراسية في المراحل التعليمية المختلفة، بحيث يتم الربط بين نواتج التعلم المستهدفة والموضوعات المرتبطة بها واستراتيجيات تدريسها، وأساليب تقويمها في المقررات الدراسية، أو في المرحلة التعليمية ككل.
وضع خطة لتقييم نواتج التعلم على مستوى المقرر الدراسي:
حيث يتطلب تجويد وتحسين نواتج التعلم على مستوى المقرر الدراسي ووحداته وموضوعاته، ضرورة وضع خطة تتكون من عدة مراحل:
- وضع أهداف واضحة لكل مقرر، ولكل وحدة دراسية؛
- تحديد نواتج التعلم المستهدفة؛
- تحديد الطرق والأدوات المناسبة لتقييم نواتج التعلم؛
- تحديد عتبات النجاح؛
- تحليل البيانات والنتائج؛
- التغذية الراجعة والمتابعة.
وضع خطة لتقييم نواتج التعلم على مستوى الوحدة أو موضوع الدرس:
ويتطلب تحقيق نواتج التعلم المستهدفة من الدرس أو من الوحدة الدراسية، التأكد من تحقق المعايير الأكاديمية التي تتمثل في الحد الأدنى لما يجب أن يحققه المتعلمون في الوحدة أو الدرس، من خلال ضرورة اهتمام المدرس بوضع خطة لتقييم نواتج التعلم، على مستوى الوحدة أو موضوع الدرس، بحيث تتضمن ما يلي:
- تحديد نواتج التعلم المستهدفة من موضوعات المنهاج؛
- تحديد الاستراتيجيات التي سيختارها المدرس في تدريس هذه الموضوعات؛
- تحديد الأنشطة التعليمية التي سيتم اعتمادها في الفصل الدراسي؛
- تحديد أدوات التقويم المناسبة للتحقق من نسب ما حققه المتعلمون من نواتج التعلم المستهدفة؛
- تحديد الأدلة والشواهد على حدوث عملية التعلم.
وبالإضافة إلى الآليات الثلاث، يمر تحسين وتجويد نواتج التعلم عبر توفير ثلاث متطلبات أساسية:
تفعيل دور المدرس في تحسين نواتج التعلم
وذلك من خلال:
- الاهتمام بالتخطيط الجيد للدرس؛
- الإلمام بتصميم أساليب واستراتيجيات التدريس المناسبة لميول وحاجات المتعلمين؛
- الاهتمام بالتخطيط الجيد للمستويات التعليمية، واستخدام الوسائل التعليمية المناسبة؛
- استخدام أساليب متنوعة للتقويم بما يتوافق مع معايير الجودة؛
- الاهتمام بالأسئلة التي تقيس المهارات المعرفية العليا للمتعلمين في المقرر.
تفعيل دور المشرف التربوي
وذلك من خلال:
- إشراك المشرف التربوي مع المدرسين والمتعلمين، في تحديد نواتج التعلم المستهدفة من كل مقرر دراسي، وتحديد أساليب تقييمهما، ووضع خطط للتجويد والتحسين المستمر لهذه النواتج؛
- عمل المشرف التربوي على ضمان الدعم والتحفيز المناسبين للمدرسين، للاستفادة من نتائج التقييم في مقرراتهم الدراسية وتوظيفها لتحسين نواتج التعلم؛
- حث المدرسين على تبادل الخبرات والممارسات التعليمية الفعالة مع زملائهم في التخصص؛
- توعية المدرسين والمتعلمين وأولياء أمورهم، بأهمية التقويم البديل في تنمية المهارات.
استخدام أساليب متعددة لتقييم نواتج التعلم
،وذلك من خلال:
- اعتماد أساليب تقييم تركز على الجوانب التطبيقية للمقررات الدراسية، كالتدريبات العملية والعمل بالمشاريع؛
- اعتماد أساليب التقويم التأملي والتقويم الذاتي وملف الانجاز للمتعلم، بما يدعم تنمية التفكير النقدي والتفكير الإبداعي، وينمي المهارات؛
- تطبيق استراتيجيات التقويم البديل، باعتباره عملية ضرورية لتجويد الأداء، وتحسين نواتج التعلم.
خاتمة:
بات لزاما -ونحن في العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين- ولضمان جودة التعليم المنشودة، رسم قطيعة مع طرائق التدريس التقليدية، المتمركزة جلها حول المدرس باعتباره أساس عملية التعليم، ومنبع المعرفة ومنتجها، مع ما تزرعه هذه الطرائق في نفس المتعلم من سلبية مبنية على التلقين والتلقي، والحفظ والاستذكار. والاتجاه نحو اعتماد طرائق تدريس حديثة، تتناغم ومهارات القرن الواحد والعشرين، طرائق تذكي في المتعلم روح التميز والإبداع، وتربيه على أخذ المبادرة وحسن الاختيار. ولعل نواتج التعلم في التعليم، باعتبارها إحـدى الاتجاهـات العالميـة الحديثـة، المعنيـة بضبـط جـودة التعليـم، عبر وضعها المتعلم في مركز الاهتمام، تبقى واحدة من أبرز الاختيارات البيداغوجية الكفيلة بضمان ربح رهان الجودة في التعليم.
المصادر:
- نواتج التعلم، هيئة تقويم التعليم والتدريب، المركز الوطني للقياس، www.qiyas.sa؛
- تصور مقترح لتجويد نواتج التعلم في التعليم العام، جامعة الإمام عبد الرحمان بن فيصل؛
- دليل صياغة وقياس مخرجات التعلم في جامعة دار العلوم، إدارة الجودة، وكالة الجامعة للتخطيط والتطوير، جامعة دار العلوم؛
- الدليل التعريفي لأدوات قياس نواتج التعلم، وكالة الشؤون التعليمية، جامعة الجوف، 2020؛
- https://education.ec.europa.eu/document/ects-users-guide-2015