أنماط التعلم : تعريفها وتصنيفاتها المختلفة
تؤكد الدراسات التربوية على أن الأفراد لا يتعلمون بالطريقة ذاتها. وإنما يختلفون فيما بينهم بحسب تفضيلاتهم لأساليب التفكير وأنماط التعلم المختلفة. إذ يجمع التربويون على أن الأفراد يختلفون في أنماط التعلم التي يفضلونها، وأن معرفة هذه الأنماط يشكل أهمية قصوى في توجيه الطلبة بشكل سليم في جميع مجالات حياتهم. كما أنه يساهم في تحسين العملية التعليمية التعلمية بكافة جوانبها. فكلما تناغمت أنماط التعلم مع طرق التدريس والأنشطة المختلفة يكون التأثير إيجابيا والعكس صحيح. وبالتالي فإن تحديد أنماط التعلم المفضلة لدى الطلبة قد يساعد في تقديم خبرات تعليمية متنوعة ومتناسبة مع أنماطهم التعليمية، ويؤدي إلى زيادة دافعيتهم وإقبالهم على التعلم. كما أن فهم طبيعة الأساليب التي يستخدمها الطلاب في التعلم، تساعد المربين على خلق بيئات للتعلم أكثر جودة وكفاءة.
عند مناقشة موضوع “أنماط التعلم”، يصبح من المهم فهم كيفية تأثير هذه الأنماط على عملية التعلم وكيف يمكن للمعلمين تكييف استراتيجيات التدريس لتلبية احتياجات المتعلمين بشكل فعّال. سنتناول في هذا المقال الأنماط المختلفة للتعلم وكيفية تأثيرها على العملية التعليمية.
تعريف
تجمع معظم تعاريف أنماط التعلم على أنها الأسلوب المفضل لدى الفرد الذي يتعلم من خلاله بشكل أفضل.
ويعرف أسـلوب الـتعلم بأنـه”: الطريقـة الثابتـة فـي كيفية اكتساب الأفراد للمعلومات ومعالجتها، واتخاذ القرارات والتعامل مع البيئـة.
كمـا تعـرف أسـاليب الـتعلم بأنهــا”: تفضـيلات فطريـة متأصـلة بالشخصــية ذات جذور وراثية تتعلق بتفضيل الفرد للنمط الذي من خلاله يستقبل ويعالج المعلومات الإدراكية.
يعرف الأدب النظري نمط التعلم على أنه: أسلوب التعلم الذي يفضله المتعلم ويستخدمه دون غيره من الأساليب في دراسته. وبه تتم معالجة المعلومات وتخزينها وترميزها واسترجاعها.
كما يعرف نمط التعلم بأنه وصف للعمليات التكيفية المناسبة، التي تجعل من الفرد مستجيبا لمثيرات البيئة المنوعة بما يتلاءم مع خصائصه الانفعالية، والاجتماعية، والجسمية
أنماط التعلم هي النظرية القائلة بأنه يمكن تصنيف المتعلمين اعتمادا على كيفية أخذهم للمعلومات. لذلك، سيؤدي تعليم الطلاب وفقا لأساليب التعلم الخاصة بهم إلى تحسين التعلم.
وكشفت دراسة على أن الطلاب يتعلمون بشكل أفضل عندما يتلقون المعلومات بأسلوب التعلم المفضل لديهم.
وقد استمدت من نظرية هوارد غاردنر في الستينيات من الذكاءات المتعددة، إذ تنص هذه النظرية على ما يلي: «نحن جميعا قادرون على معرفة العالم من خلال اللغة، والتحليل المنطقي الرياضي، والتمثيل المكاني، والتفكير الموسيقي، واستخدام الجسم لحل المشكلات أو لصنع الأشياء، وفهم الأفراد الآخرين، وفهم أنفسنا».
ومن الخصائص المميزة لها، أنھا لا تقتصر على الجانب المعرفي للشخصية فقط، بل تتضمن عددا من المتغيرات السمعية والبصرية والحركية والاجتماعية والاستقلالية ومعالجة المعلومات.
ويتم تصنيف أنماط التعلم المختلفة إلى ثلاث فئات رئيسية: الشخصية والحسية والمعلوماتية، وهي تشمل البصرية والسمعية واللمسية والحركية والتسلسلية والمتزامنة والعاكسة/المنطقية واللفظية والتفاعلية والتجربة المباشرة والتجربة غير المباشرة والإيقاعية/اللحنية.
كما نجد نمط التعلم الفردي، التعاوني، المنطقي الرياضي، المدمج، المفتوح، ونمط التعلم الحسي، الملموس، التكيفي والقرائي الكتابي.
أنماط التعلم السبعة / الأربعة / الثلاثة
تُعرّف أنماط التعلم على أنها الطرق التي يفضل بها الأفراد استلام ومعالجة المعلومات. وتختلف هذه الأنماط من فرد لآخر. هناك ثلاثة أنماط رئيسية للتعلم وهي: البصري، السمعي، والحركي. وهناك علاقة وطيدة بين أنماط التعلم وأنماط المتعلمين، إذ يُفضل المتعلمون البصريون استخدام الرؤية والصور لفهم المفاهيم، في حين يفضل المتعلمون السمعيون الاعتماد على الاستماع والحوارات. أما المتعلمون الحركيون، فيفضلون التفاعل المباشر والتجربة العملية.وغالبا ما يتم تصنيف أنماط التعلم حسب ثلاث تصنيفات رئيسية: أنماط التعلم الثلاثة؛ أنماط التعلم الأربعة؛ ثم السبعة.
أنماط التعلم الثلاثة
تتمثل أنماط التعلم الثلاثة المختلفة وفقا لنموذج Fleming’s VAK في النمط المرئي والسمعي والحركي. وفيما يلي المزيد عن كل من أساليب التعلم الثلاثة:
1. أسلوب التعلم البصري
ينص Fleming على أن المتعلمين البصريين يفضلون رؤية المادة من أجل تعلمها.
نقاط قوة المتعلم البصري
- يتبع التوجيهات غريزيا؛
- يمكن تصور الأشياء بسهولة؛
- لديه شعور كبير بالتوازن والمحاذاة؛
- هو منظم ممتاز.
أفضل الطرق للتعلم
- دراسة الملاحظات على الشرائح، واللوحات البيضاء، واللوحات الذكية، وعروض PowerPoint، وما إلى ذلك.
- قراءة المخططات والبيانات؛
- اتباع دليل دراسة موزع؛
- القراءة من كتاب مدرسي.
2. أسلوب التعلم السمعي
مع أسلوب التعلم السمعي، يتعين على الطلاب سماع المعلومات لاستيعابها حقا.
نقاط قوة المتعلم السمعي
- فهم التغييرات الطفيفة في النغمة في صوت الشخص؛
- كتابة الردود على المحاضرات؛
- الامتحانات الشفوية؛
- رواية القصة؛
- حل المشاكل الصعبة؛
- العمل في مجموعات.
أفضل الطرق للتعلم
- المشاركة بصوت عال في الفصل؛
- عمل تسجيلات لملاحظات الفصل والاستماع إليها؛
- قراءة المهام بصوت عال؛
- الدراسة مع شريك أو مجموعة.
3. أسلوب التعلم الحركي
يميل المتعلمون الحركيون إلى الرغبة في التحرك أثناء التعلم.
نقاط قوة المتعلم الحركي
- تنسيق رائع بين اليد والعين؛
- استقبال سريع؛
- تجارب ممتازة؛
- جيد في الرياضة والفن والدراما؛
- مستويات عالية من الطاقة.
أفضل الطرق للتعلم
- إجراء التجارب؛
- تمثيل مسرحية؛
- الدراسة أثناء الوقوف أو الانتقال؛
- خربشة أثناء المحاضرات؛
- الدراسة أثناء أداء نشاط رياضي مثل ارتداد الكرة أو تسديد الأطواق.
أنماط التعلم الأربعة
تشمل أنماط التعلم الأساسية الأربعة في نموذج VARK الأنماط البصرية، والسمعية، والقرائية والكتابية، والحركية. وفيما يلي لمحة عامة عن جميع أنواع أساليب التعلم الأربعة.
نمط التعلم البصري
يكون المتعلمون المرئيون أكثر قدرة على الاحتفاظ بالمعلومات عند تقديمها لهم في تصوير رسومي، مثل السهام والمخططات، والرسوم البيانية، والرموز، وغيرها. وعلى غرار كيفية استخدام المصممين للتسلسل الهرمي البصري للتأكيد على عناصر تصميم محددة، يزدهر المتعلمون البصريون بصور واضحة لتسلسل المعلومات الهرمي.
نمط التعلم السمعي
يفضل المتعلمون السمعيون الاستماع إلى المعلومات التي يتم تقديمها لهم بصوت عال. يعمل هؤلاء المتعلمون بشكل جيد في إطار المجموعات، حيث يوجد تعاون صوتي وقد يستمتعون بالقراءة بصوت عال لأنفسهم أيضا.
نمط التعلم القرائي والكتابي: التركيز على الكلمة المكتوبة
ينجح المتعلمون في القراءة والكتابة عبر معلومات مكتوبة في أوراق العمل والعروض التقديمية والموارد النصية الأخرى. هؤلاء المتعلمون هم مدونو ملاحظات، ويؤدون بقوة عندما يمكنهم الرجوع إلى النص المكتوب.
اقرأ كذلك : الفهم القرائي : تعريفه، مستوياته ومهاراته
نمط التعلم الحركي: القيام بدور نشط بدنيا
يكون المتعلمون الحركيون عمليين ويزدهرون عند إشراك جميع حواسهم أثناء العمل الدراسي. يميل هؤلاء المتعلمون إلى العمل بشكل جيد في الدراسات العلمية بسبب عنصر المختبر العملي في المادة.
أنماط التعلم السبعة
ربما تكون قد سمعت عن فكرة أننا جميعًا نستجيب بشكل أفضل لأنماط التعلم المختلفة. هذا هو بالضبط ما تدعمه نظرية أنماط التعلم السبعة.
تلتقط جميع الأنماط قوة فردية من المحتمل أن تساعد الشخص على الاحتفاظ بالمعلومات بشكل أكثر فعالية. يركز كل منهم على إحدى الحواس الخمسة، أو ينطوي على جانب اجتماعي.
وهذه الأنماط السبعة هي: البصري، الحركي، السمعي، الاجتماعي، الانفرادي، اللفظي، والمنطقي.
- نمط التعلم البصري: من المفترض أن يحتفظ المتعلمون المرئيون أو المكانيون بالمعلومات بشكل أفضل من خلال مشاهدة الصور والاستجابة بشكل جيد للألوان والخرائط الذهني.
- نمط التعلم الحركي: وفقا للنظرية، فإن المتعلمين الحركيين يركزون على القيام بالأشياء جسديا. يمكن أن يساعدهم لعب الأدوار أو استخدام أشياء مثل البطاقات أو تجسيد الحدث على تعلم الأشياء بشكل أفضل.
- نمط التعلم السمعي: يجب على المتعلمين السمعيين أو الموسيقيين الاحتفاظ بأكبر قدر من المعلومات بعد سماعها. إنهم يجدون أنفسهم يتذكرون ما يسمعون أكثر مما لو قرأوا النص.
- نمط التعلم الاجتماعي: من المفترض أن يعمل المتعلمون الاجتماعيون أو الشخصيون بشكل أفضل عندما يشاركون في أنشطة الدراسة مع أشخاص آخرين، مثل اختبار بعضهم البعض، أو وجود مجموعة دراسة.
- نمط التعلم الانفرادي: من المفترض أن يعمل المتعلمون الانفراديون أو داخل الأشخاص بشكل أفضل بمفردهم. تدوين الملاحظات وتلاوتها مرة أخرى هي أنشطة مفيدة عند الدراسة بنفسك. سيتعين على معظمنا إجراء بعض المراجعة الانفرادية في مرحلة ما من حياتنا.
- نمط التعلم اللفظي: من المفترض أن يستجيب المتعلمون اللفظيون أو اللغويون جيدا للكلمات المكتوبة أو المنطوقة، باستخدام أدوات مثل القوافي والمختصرات.
- نمط التعلم المنطقي: يستخدم المتعلمون المنطقيون أو الرياضيون المنطق من أجل التعلم بفعالية. إذا كان المتعلم جيدا في الأرقام والإحصاءات، فقد يجد الأسلوب المنطقي مفيدا.
فوائدها وأهميتها
تكمن أهمية أنماط التعلم في تحسين جودة التعليم. فعندما يكون المعلم قادرًا على فهم وتحديد أنماط المتعلمين في الصف، يمكنه تكييف الدروس بشكل أفضل وضمان توفير تجارب تعلم فعّالة لجميع الطلاب.كما تنطلق أهمية أساليب التعلم من اعتبارها الطريقة الرئيسية فـي إحداث التعلم لدى المتعلمين ، فيجب مراعاة مستوى المتعلم و خبراته السابقة، بحيث تكون الأسـاليب التعليمية المستخدمة من قبل المدرس ملائمة لأساليب التعلم المفضلة لـدى المتعلم و لقدراته، بحيث تساعده على الاستقبال الفعال٠بالإضـافة الـى الاهتمام بتنوع الوسائل التعليمية لمواجهة الفروق الفردية ، فمن المتعلمين من يتعلم أحسن عن طريق الوسيلة السمعية، و منهم من يفضل الوسيلة المرئية، و منهم من يتعلم أفضل بالممارسة و العمل٠و هـذا التنـوع مطلـوب ومرغوب، لأن من الصعب على الوسيلة الواحـدة أن تجمـع بـين كـل المثيرات في التدريس.
مما سبق نستنتج أن لأساليب التعلم أهمية بالغة، تعود بالنفع على كل من المتعلم والمعلم ومصممي المناهج التربوية. فبمعرفة أساليب تعلم التلاميذ يسهل على المعلم إعداد دروسه وكيفية إلقائها، وكذا مراعاة الفروق الفردية بين التلاميذ لتعد طرق التدريس على وفقها كل حسب قدراته.
كما أن فهم المتعلم وعلمه بأساليب تعلمه تزيد من تفوقه وتوافقه دراسيا وتميزه، وتعد أيضا عاملا مهما في تحديد نواتج عملية التعليم والتعلم.
فما الفرق بين أنماط التعلم وأساليب التعلم؟
يكمن الفارق الرئيسي بين أنماط التعلم وأساليب التعلم في أن الأولى ترتبط بكيفية يفضل المتعلم استلام المعلومات، بينما ترتبط الثانية بالأساليب والتقنيات التي يستخدمها المعلم لتوجيه وتسهيل التعلم.
التدريس وفق أنماط التعلم، وأنماط التعلم في التدريس
إن معرفة المعلم بأنمـاط الـتعلم المفضـلة لـدى متعلميه أمـر بـالغ الأهميـة، حيـث يوجهـه إلـى اختيـار طرائـق التــدريس، والأنشـطة وأسـاليب التقـويم المناســبة التـي تراعـي أنمـاط تعلــم طلابه، بالإضافة إلى أن معرفة المتعلم لنمط تعلمه يمكنه من اختيار الاستراتيجيات الملائمـة والتي يتعلم من خلالها بشكل أفضل.
إن معرفة المعلم بأنماط التعلم لدى المتعلمين، يساعده على حسن التعامل معھم، وحسن إدارة الموقف التعليمي وضبط سلوكھم، مما يؤثر إيجابا على تحقيق أھداف التعلم. فقد يصدر عن بعض المتعلمين سلوك، يبدو للوهلة الأولى غير لائق، ولكن حين يحكم المعلم على ھذا السلوك من منطلق معرفته بنمط التعلم لصاحبه، فسيجده أمراً مقبولا، ويكثر ذلك عند التلاميذ كثيري الحركة، أو كثيري الكلام، مقابل التلاميذ من النمط الهادئ، فقد لا يكون الأول مشاغبا، ولا الثاني كسولا.
فتعليم المتعلمين في ضوء أساليب تعلمهم المفضلة، تعد مفتاح النجاح في الحياة الدراسية، لما تستثمره من طاقات في حل المشكلات التي تواجههم، ذلك من خلال تأثيرها في دافعية المتعلمين، إضافة إلى أهميتها الكبيرة في تفسير التغير الذي يحدث في التحصيل الدراسي للمتعلمين، حيث تعد مذاهب عامة يستخدمها المتعلمون في التعلم وحل المشكلات.
ولقد تباينت النظريات في تناولھا لأنماط التعلم المفضلة لدى المتعلمين، فركز بعضھا على سمات شخصية المتعلم، وركز بعضھا الآخر على طريقة المتعلم في استقبال الخبرات وتجھيزھا ومعالجتھا وتنظيمھا، في حين ركزت النظريات الأخرى على الوسيط الحسي الإدراكي، الذي يفضله المتعلم من خلاله استقبال المعلومات.
مراعاة أنماط التعلم في التدريس
تعد أنماط التعلم مصدرا مھما من مصادر تصميم التدريس، وھي ترتبط بتعدد الطرق المفضلة التي يستقبل بھا المتعلمون المعلومات. فھناك مجموعة من التفضيلات في أنماط التعلم لدى المتعلمين، فمنھم من يفضل التواصل غير اللفظي أكثر من التواصل اللفظي، ومنھم من يفضل التعلم الجماعي، ومن يفضل التفسير الاستنتاجي على المنطقي، ومن يركزون على الأشخاص أكثر من تركيزھم على الأشياء، كما يحبذ قد بعضهم أوضاع التعلم الفعال بالمشاركة في فعاليات العملية التعليمية التعلمية.
ومراعاة المعلم لأنماط تعلم المتعلمين، لا تبدأ ببدئه إجراءات العملية التنفيذية في الحصة، ولكنھا تسبق ذلك بكثير، فيتوجب على المعلم عند البدء بالتحضير لدرسه وإعداد خطته، أن يولي أنماط التعلم المتنوعة أھمية كبيرة، فينتقي من الأنشطة والإجراءات ما يحقق ذلك، فتلك الأنماط لھا جانبان مهمان، الأول: نمط تعلمي خاص بالمتعلمين، والثاني نمط تعليمي يوظفه المعلم في ضوء الأول.
فمراعاة المعلم لأنماط التعلم لدى المتعلمين، تؤھل المتعلمين ليكونوا شركاء في العملية التعليمية التعلمية، شراكة يتحملون فيھا جزءا من المسئولية، وتسهم في تجويد نواتج التعلم.
أنماط التعلم واستراتيجيات التدريس
تُعدّ أنماط التعليم تلك الطرق التي يتبعها المعلم لنقل المعرفة وتوجيه الطلاب نحو التعلم الفعّال. ويجب على المعلمين أن يكونوا على دراية بأنماط المتعلمين لضمان فاعلية استراتيجيات التدريس نظرا للترابط بين أنماط التعلم واستراتيجيات التدريس. فعلى سبيل المثال، يمكن تضمين العروض التقديمية والصور لتلبية احتياجات المتعلمين البصريين، بينما يمكن تنظيم نقاشات وجلسات استماع لتناسب المتعلمين السمعيين.يعتبر التعرف على أنماط التعلم لدى الطلبة وقياسها من أهم القضايا اللازمة لكل من مخططي المناهج والمعلمين والطلبة أنفسهم، إذ يسهم هذا في إعادة بناء وتصميم المناهج والكتب الدراسية، واختيار المحتوى والخبرات وطرق التدريس والوسائل التعليمية التي تناسب أنماط التعلم المختلفة لدى الطلبة.
إن معرفة أنماط التعلم المفضلة لدى الطلبة يساعد أعضاء هيئة التدريس في اختيار الأساليب والأنشطة التي تتوافق مع هذه الأنماط، مما يؤدي الى تعلم الطلبة بشكل أفضل واختصار الوقت والجهد المطلوبين لتوصيل المعلومات للطلبة، إضافة الى أن معرفة أنماط التعلم المفضلة لدى الطلبة تفيد المسؤولين وأصحاب القرار في تبني الاستراتيجيات التعليمية التي تتوافق وأنماط طلبتهم.
الفرق بين أنماط التعلم والذكاءات المتعددة
ظهر في العقود الأخيرة العديد من النظريات التربوية التي حاولت تفسير الفروق في القدرة على التعلم بين الأفراد، ومن أهم هذه النظريات: نظرية أنماط التعلم، التي استمدت مبادئها من مدارس التحليل النفسي، ونظرية الذكاءات المتعددة التي ارتكزت إلى علم المعرفة Cognitive Science.
وعلى الرغم من أن كلتا النظريتين ّتدعي أن المعتقدات السائدة حول الذكاء تحد من فهمنا للفروق بين الأفراد، فإن اهتمام نظرية أنماط التعلم ينصب على “عملية” التعلم، فيما تركز نظرية الذكاءات المتعددة على “محتوى” التعلم و”نواتجه.” وقد وضح “جاردنر” الفرق بين النظريتين حين أكد على أن نظرية الذكاءات المتعددة بدأت من كائن بشري يستجيب أو يفشل في الاستجابة، وصولا إلى مختلف أنواع المحتوى الموجودة في العالم، أما نظرية أنماط التعلم فتبحث عن المظاهر التي يجب أن تميز جميع أنواع المحتوى.
وقد أشار غيره من الباحثين إلى أنه بالرغم من الاختلاف الجوهري بين النظريتين، إلا أنهما تعتبران وجهين لعملة واحدة، وأن العلاقة بينهما هي علاقة شراكة لا تنافس، وأن كلا منه أنماط التعلم والذكاءات المتعددة تسهم في تحسين تعلم الطلبة بطريقة تختلف عن الأخرى، مؤكدين على ألا يتم استخدام أحد المفهومين بديلا من الآخر.
بينما تؤكد نظرية أساليب التعلم على اختلاف طرق تفكير الناس وشعورهم أثناء الإنتاج الإبداعي والتفاعل وحل المشكلات، بينما تركز نظرية الذكاءات المتعددة على تأثير الثقافات والمجالات الأكاديمية المختلفــة في تشكل شخصية الإنسان. ويكمن الفرق الجوهري بين النظريتين في أن أساليب التعلم تركز على التعلم بوصفه عملية (Process)بينما تركز نظرية الذكاءات المتعددة على التعلم بوصفه محتوى ونتاجات ( .(Product and Content
نماذج أنماط التعلم
هناك العديد من النماذج التي تساعد في فهم أنماط التعلم، مثل نموذج كولب ونموذج هوارد جاردنر للذكاءات المتعددة.
نموذج كولب (Kolb’s Experiential Learning Model)
هو نموذج يوضح كيف يتعلم الأفراد من خلال تجاربهم الشخصية. تم تطوير هذا النموذج بواسطة ديفيد كولب، الذي اقترح أن هناك أربعة أنماط رئيسية للتعلم يمكن تمييزها. يقوم الأفراد بتبني نهج معين من هذه الأنماط على أساس كيفية تفاعلهم مع عمليات التجربة والتعلم.
الأنماط الأربعة في نموذج كولب:
- التجربة الاستعراضية (Concrete Experience): في هذا النهج، يتعلم الأفراد من خلال التجارب الفعلية والمشاهدة المباشرة. يفضل المتعلمون هذا الأسلوب عندما يتم تقديم المفاهيم بشكل عملي وتفصيلي، ويكون هم يفضلون الاستفادة من التجارب الواقعية.
- التفكير المحاور (Reflective Observation): يفضل بعض الأفراد النظر إلى التجارب من زوايا مختلفة والتأمل فيها. هؤلاء المتعلمون يميلون إلى تحليل وفهم الأمور من خلال مراقبة تأثيرات التجارب على الآخرين وعلى أنفسهم.
- التفكير النشط (Abstract Conceptualization): يتمثل هذا الأسلوب في فهم المفاهيم والتجارب من خلال الأفكار والنظريات. يستخدم المتعلمون هذا الأسلوب عندما يتعلق الأمر بتحليل المعلومات وفهم النماذج النظرية.
- التخطيط النشط (Active Experimentation): يتضمن هذا النهج تجسيد الأفكار والنظريات في تجارب فعلية. المتعلمون يقومون بتجربة الأفكار والنظريات في الواقع، وهم يستخدمون هذا الأسلوب لفهم كيف يمكن تطبيق المفاهيم في المواقف العملية.
دورة التعلم في نموذج كولب:
نموذج كولب يقوم على دورة متكاملة لعملية التعلم تشمل مراحل التجربة الاستعراضية، والتفكير المحاور، والتفكير النشط، والتخطيط النشط. يمكن للأفراد أن يبدأوا في أي نقطة في هذه الدورة ويتحركون في اتجاهات مختلفة اعتمادًا على أسلوب التعلم الفردي.
النموذج يعزز الفهم العميق للمعلومات من خلال التفاعل المستمر بين هذه الأنماط الأربعة، مما يسمح للفرد بتحسين مهاراته وفهمه بشكل شامل. استخدام نموذج كولب يمكن أن يسهم في تحسين تجارب التعلم وتطوير المهارات الفردية بشكل فعال.
نموذج فارك لأنماط التعلم
نموذج فارك هو نموذج شائع لتصنيف أنماط التعلم الأربعة الرئيسية. تم تطويره بواسطة نيل فليمنج في الثمانينيات ، ويستخدم نموذج فارك أربعة أبعاد لوصف كيفية تفضيل الناس للتعلم:
- البصري (V) – يتعلمون بشكل أفضل من خلال الصور والرسومات والرسوم البيانية.
- السمعي (A) – يتعلمون بشكل أفضل من خلال الاستماع إلى المحاضرات والمناقشات والبودكاست.
- القراءة / الكتابة (R) – يتعلمون بشكل أفضل من خلال القراءة والكتابة والملاحظات.
- الحركي (K) – يتعلمون بشكل أفضل من خلال الممارسة العملية والتجريب.
يمكن أن يكون لكل شخص نمط تعلم مفضل واحد أو أكثر ، ويمكن أن تختلف أنماط التعلم من شخص لآخر. لا يوجد نمط تعلم أفضل من أي نمط آخر ، والطريقة الأكثر فعالية للتعلم هي استخدام مجموعة متنوعة من الأساليب.
تطبيق نموذج فارك
يمكن استخدام نموذج فارك بعدة طرق:
- لتحديد نمط التعلم المفضل لديك – يمكنك إجراء اختبار نمط التعلم عبر الإنترنت أو قراءة وصفات أنماط التعلم الأربعة لتحديد نمط التعلم الذي يناسبك بشكل أفضل.
- لتحسين استراتيجيات التعلم الخاصة بك – بمجرد معرفة نمط التعلم المفضل لديك ، يمكنك استخدام استراتيجيات التعلم التي تلبي احتياجاتك بشكل أفضل. على سبيل المثال ، إذا كنت متعلمًا بصريًا ، فقد ترغب في استخدام الرسوم البيانية والرسوم التوضيحية لمساعدتك على تعلم المعلومات.
- لتصميم مواد تعليمية أكثر فعالية – يمكن للمعلمين ومصممي المواد التعليمية استخدام نموذج فارك لإنشاء مواد تلبي احتياجات المتعلمين المختلفين. على سبيل المثال ، يمكنهم تضمين الصور والرسومات البيانية في المواد التعليمية للمتعلمين البصريين ، وتضمين التسجيلات الصوتية للمتعلمين السمعيين.
انتقادات نموذج فارك
تم انتقاد نموذج فارك لعدة أسباب:
- إنه مبسط للغاية – لا يأخذ نموذج فارك في الاعتبار العوامل المختلفة التي يمكن أن تؤثر على التعلم، مثل الدافع والشخصية والذكاء.
- لا يوجد دليل علمي قوي لدعمه – لم تجد الدراسات البحثية دائمًا دعمًا قويًا لوجود أنماط تعلم منفصلة.
- يمكن أن يكون من الصعب تحديد نمط التعلم المفضل لديك – قد لا يكون من السهل دائمًا تحديد نمط التعلم المفضل لديك، وقد يختلف نمط التعلم الخاص بك اعتمادًا على الموقف.
على الرغم من هذه الانتقادات، فإن نموذج فارك هو أداة مفيدة يمكن استخدامها لفهم أنماط التعلم بشكل أفضل وتحسين استراتيجيات التعلم.
خلاصة
في النهاية، يُظهر فهم أنماط التعلم أهمية كبيرة في تحسين جودة التعليم وتلبية احتياجات المتعلمين بشكل أفضل. من خلال توجيه الطلاب بناءً على أنماطهم الفردية، يمكن للمعلمين تحقيق تجارب تعلم مخصصة وفعّالة. لذلك فإن معرفة الطلبة لأنماطهم التعليمية قد يساهم في توجيههم بشكل سليم في جميع مجالات حياتهم، لما لذلك من أثر إيجابي في تحقيقهم أفضل الإنجازات وأقصى نواتج التعلم.
ولأنماط التعلم دور في تحديد الفروق بين الطلبة، وفي طرق استقبال الخبرات التعليمية التعلمية ومعالجتها، إذ أن أداء المتعلمين يتأثر بهذه الطرق إيجابا أو سلبا؛ فحينما تتناغم أنماط التعلم مع طرق التدريس والأنشطة المختلفة التي تراعي وجود أنماط تعلم متنوعة داخل غرفة الصف يكون التأثير إيجابيا، والعكس بالعكس، وبالتالي فإن تحديد أنماط التعلم المفضلة لدى الطلبة قد يساعد في تقديم خبرات تعليمية متنوعة ومتناسبة مع أنماطهم التعليمية، وقد يؤدي هذا إلى زيادة دافعيتهم وإقبالهم على التعلم.
المصادر:
- جـاري، نعيمة. “علاقة أساليب التعلم كنمط من أنماط معالجة المعلومات بدافعية الإنجاز والتوافق الدراسي لدى تلاميذ السنة الثانية ثانوي”، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة قاصدي مرباح ورقلة، 2015؛
- عبد الجواد، اياد. مجلة جامعة النجاح للأبحاث (العلوم الانسانية) المجلد 30 (1)، 2016
- أ. د. شفيق علاونة، د. منذر بلعاوي؛ “أساليب التعلم المفضلة والذكاءات المتعددة”، مجلة العلوم التربوية والنفسية، المجلد 11 العدد 2 يونيو 2010؛
- إيمان علي زيتون، أحمد محمد المقدادي، “أثر برنامج تدريسي قائم على دمج الذكاءات المتعددة وأنماط التعلم في قدرة الطالبات على حل المشكلات الرياضية ودافعيتهن لتعلم الرياضيات”، مجلة دراسات، العلوم التربوية، المجلّد41، العدد 1، 2014؛